سلطة بوليسية فرضت رقابة على الأعمال الفنية وعلى حركة الناس السياسية والاجتماعية،
عادل عامر
الرقابة تخدم السلطة أم المجتمع تُعتبر الرقابة من القضايا المثيرة للجدل في الأوساط الفنية؛ نتيجةَ اختلاف مفهومها لدى كلٍّ من المبدع والرقيب، وهذا أمرٌ طبيعيٌّ؛ نظرًا لاختلاف فهم ورؤية كل منهما، فالرقيب يستند إلى منطلقات سياسية واجتماعية، والمبدع يستند إلى الإبداع ورؤيته الفنية، وهو عادةً يسعى إلى حريةٍ بلا حدودِ، والسائد أن هناك اعتباراتٍ سياسيةً يستند إليها الرقيب، فهو يتحاشى أي شيء يهدد السلطة وأصبح من المعتاد أن ترفض الرقابة أفلامًا وأعمالاً فنيةً لأسباب سياسية بحتة تعالج بعض فترات التاريخ المعاصر؛ حيث يعمد بعض كتَّاب السيناريو إلى معالجة موضوعات بشكل أكثر موضوعيةً، وينحاز فيما يكتبه إلى كشف الحقائق بعيدًا عن التجميل الذي دأَبَ عليه بعضُ المؤلفين في فترات سابقة، ويؤكد ذلك ندرة عرض الأفلام التي تكشف مساوئ نظام الحكم في الستينيات، مثل أفلام "الكرنك" و"إحنا بتوع الأتوبيس" و"العسكري الأسود" وغيرها الفنان عبد العزيز مخيون يؤكد أن الرقابة تصادر وتمنع أي رأي يهدِّد النظام الحاكم أو يسبِّب إزعاجًا له، أما أية أعمال فنية فيها إسفافٌ أو انحطاطٌ وتجرُّؤٌ على المقدسات فإنها تمرَّ بين أصابع الرقابة ويضيف: أنا أتحفَّظ على أي شكل من أشكال الرقابة أو المصادرة للفكر أو قمع حرية التعبير، ولكنَّ هناك ما يسمَّى بالرقابة العامة أو الرقابة الاجتماعية، وهي رقابةُ المجتمع ككل، فإذا كان المجتمع يتبنَّى أفكارًا أو مشروعًا قوميًّا عربيًّا إسلاميًّا للنهضة فسوف تنبع رقابة الضمير نفسه عندما يكون هناك اتفاقٌ في المجتمع، وعندما يكون هناك عهدٌ اجتماعيٌّ أو ميثاقٌ اتفقت عليه الأمة فلن تجد في هذا نوعًا من الأعمال التي تسبب لنا القلق من حين لآخر ثوابت المجتمع الناقد طارق الشناوي يقول: إن ثوابت المجتمع لها تعريفٌ مطَّاط يتغيَّر في الزمان والمكان ومِن أسرةٍ إلى أسرة، ومثال ذلك أن هناك بعض الأسر ينادي فيها الابن والده باسمه، وفي الجانب الآخر هناك أُسَر أخرى تحتفظ بالتقاليد والمبادئ ويطالب الشناوي بإخفاء الرقابة التقليدية، موضحًا أنه لا بد من مراعاة التصنيف العمري، فهناك أفلامٌ تحظر دخول الأطفال وأخرى تحظر دخول أصحاب القلوب الضعيفة. وينتقد ما يجري في الرقابة من اعتبارات معينة لأصحاب الأفلام، مثل عادل إمام؛ حيث إن لأفلامه معاملةً خاصةً لا تَجري على غيره، ولا بد أن تنظر الرقابة إلى جميع الأفلام نظرةً حياديةً ويرى الشناوي أن النظام هو الذي يعيِّن الرقابة، وهو مهيمنٌ عليها بطريقة كاملة ومسيطرٌ بشكل واضح، ولا يستطيع أحدٌ أن يقتربَ من السلطة العُليا أو أن يتناول قضية التوريث، بل من الممكن أن توافق على فيلم به مشاهد عُري ولا توافق على عرض فيلم سياسي ويشير في هذا الصدد إلى فيلم "جواز بقرار جمهوري" قائلاً: من وجهة نظري هو ليس فيلمًا جريئًا ولكنه فيلم خدَمَ السلطة، ويحضر فيه الحاكم الفرح ويلبِّي مطالبهم ومطالب شعبه وبالنسبة لوحيد حامد عندما تناول قضية الإخوان كانت هناك هجمةٌ شرسةٌ على الجماعة بعد ظهور جماعات العنف، وكان لا بد من التصدي لهذه الظاهرة، لكنَّ وحيد حامد كان قاسيًا ولم يكن موفقًا عندما تناول هذه القضية في كتاباته وقدَّمها من الجانب السلبي، ولكن من وجهة نظري- والكلام للشناوي- أرى أنه مع الزمن سيكون محايدًا لأنه شخصيةٌ سويةٌ تعرف الله، بل إنه يصلي ويصوم وهو لا يشرب الخمر وليس ملحدا وحول الهجوم على الرقابة بعد عرض فيلم "ليلة سقوط بغداد" قال: إن الرقابة تعنَّدت هذا الفيلم وأرسلته إلى وزارة الدفاع؛ باعتباره فيلمًا عسكريًّا، وهو ليس كذلك، بل مثل فيلم "عبود على الحدود"، ومن المهم أن نعرف أن أفلامَ إسماعيل ياسين منها "إسماعيل ياسين في الجيش" و"الأسطول" و"البوليس الحربي" كانت أفلامًا ساخرةً وليس لها جانبٌ سياسيٌّ، والخطأ هنا ذهاب الفيلم لوزارة الدفاع ويؤكد أن فيلم "ليلة سقوط بغداد" كان غليظًا في بعض مشاهده، فتناولها المؤلف والمخرج بشكل يتسم بإباحية واضحة ونفَّذها بشكل صريح وبدون أن يرجِعَ إلى قيم المجتمع مثل مشاهد السرير وأيضًا مشاهد الحمام التي كانت واضحةً وصريحةً، وهذا تناول كل ما يتعارض مع القيم، ولا بد أن تخضع الأعمال الفنية ذات الطابع الأخلاقي للرقابة أجندة الفن والسلطة أما الفنان خالد الصاوي فيرَى أن كلَّ النظم السياسية في التاريخ يوجد عندها درجةٌ معينةٌ تحتك بالفنون والأفكار، وبشكل آخر فإن السلطة لها أجندةٌ والفن ليس له أجندة، فهو يتحرك شمالاً ويمينًا طبقًا لقوانين تضعها الرقابة، فهي تعمل عمليةَ مواءمةٍ للإنتاج الثقافي للمجتمع مع الأجندة السياسية، وأضاف: لا بد أن تقوم الرقابة بموازنة بين أمن السلطة وبين أمن الفرد والمجتمع، والواضح أن الأولويات للسلطة السياسية فلا يستطيع أحدٌ أن يحتك بها فنضع الفكرة والفن تحت رقابة ويضرب الصاوي مثلاً على ذلك، فيقول: في أوائل القرن العشرين كانت الأفكار تنحصر والفنون تتقيَّد والحقيقة تُحجب والوقائع يتم التعتيم عليها، فهناك أفلامٌ حُجبت تمامًا من العرض، فالرقابة تابعةٌ للسلطة والنظام السياسي ويعلق على الصلة بين السياسة والفن فيقول: لا بد من وجود حكومة منتخَبة وبعدها نبادر بحل كل الأجهزة التي تراقب الأفكار وتقيِّدها، ولا بد من توفير مؤسسات جماهيرية تعتمد على النقاش، والحصار الجماعي للأعمال التي يمكن تسميتها مرفوضة (ضد القيم الاجتماعية)، فالأفكار لا تموت بالمنهج، وقد يكون لها رواجٌ أكثر بالمنع، فالرقابة مرتبطةٌ دائمًا بالحكومة الحالية التي لها أجندةٌ معينةٌ، فالحذف والابتعاد مرتبط بها دائمًا وحول التشريعات الخاصة بالرقابة على الفنون والأفكار يرى الصاوي ضرورةَ وجود بعض الأولويات لها، أهمها: التشديد على الأفكار المضادة للسلطة والتي تمسها بسوء، وثانيها: بعض الأولويات التي تخص على القيم والتقاليد الاجتماعية، ولكنَّ هناك مرونةً كبيرةً مستخدمةً من جانب الرقابة وتتناولها بصورة سيئة ويلفت النظر إلى قضية أخرى بخصوص الرقابة؛ حيث إنه من الملاحظ أنَّ تباين الأفكار على الرقابة واحد، من رقيب إلى رقيب ومن رئيس إلى آخر، فلا بد من تقييد السقف الذي تتحكَّم فيه الرقابة كمحاور الدين والجنس والنظام الاجتماعي والسياسي، فعصر الرئيس جمال عبد الناصر يختلف عن عصر السادات وعن مبارك، فالحرية تختلف من عصر إلى عصر ثلاثة جوانب ويَعتبر المخرج أحمد محفوظ أن الرقابة الآن تحافظ على ثلاثة جوانب: الأول سياسي، والثاني ديني، والثالث الجنس، ويتابع: فالسياسي هو عدم الاقتراب من السلطة نهائيًّا ويكون بعيدًا عنها، أما الجانب الديني فلا يقترب من الفتنة الطائفية، والآن أصبحت الرقابة لا تقوم بدورها الأساسي فهي بعيدةٌ كل البعد عن وظائفها في زمن الإنترنت والستالايت ونقل الأفلام من خلال الـ(سي دي) وهذا شكل غير قانوني وحول رؤيته لمفهوم الرقابة يقول محفوظ: أنا لست مع وجود رقابة تعمل لصالح السلطة على حساب الشعب أو تكيل بمكيالين في تعاملها مع الأعمال الفنية، ويضيف: إن الرقابة لا تستطيع أن تقوم بدورها في مواجهة وسائل التقنية الحديثة، مثل الإنترنت والستالايت، فمن الواضح أن الأفلام القديمة التي كانت لا تُعرض من قبل أصبحت تُعرض دون حذف وأيضًا القمر الأوروبي أصبح يقدم كل ما هو ممنوع، بل إن الغزو الفكري أصبح مسيطرًا علينا في كل شيء؛ لذا فمن وجهة نظري لا بد من وجود رقابة نموذجية تنقسم إلى جانبين: أولهما رقابة المبدع على نفسه، وثانيهما الرقابة الذاتية من الجمهور فالمبدع يقول رأيَه بشكل لا يصطدم أو يسفِّه مشاعر الآخرين ومعتقداتهم وأخلاقياتهم في المجتمع، كما أن تنمية الوعي عند الجمهور تجعله يستطيع أن يناقش أو يجادل العمل الفني بشكل يَقبل أو يَرفض ما جاء من آراء أو فئة في هذا العمل الفني، وبالتالي الحفاظ على أخلاقيات وسلوكيات المجتمع وأعرافه هي مسئوليةٌ مشتركةٌ بين الفنان وجمهوره ويشير إلى فترات سابقة مثل أجواء ثورة 1952 وما صاحبها من سلطة بوليسية فرضت رقابة على الأعمال الفنية وعلى حركة الناس السياسية والاجتماعية، ولكنَّ هذه الظروف تغيَّرت تمامًا، ولا بد للدولة أن تبحث عن صياغة مختلفة لفكرة الرقابة وحول مقترحاته لتطوير منظومة الرقابة في مصر طالب بأن يتم حل هيئة الرقابة بشكلها، وأن تكون هناك لجنةٌ رقابيةٌ أو استشاريةٌ لمناقشة الأعمال الفنية بشكل مدني لا يتبع حكومة أو سلطة.
عادل عامر
الرقابة تخدم السلطة أم المجتمع تُعتبر الرقابة من القضايا المثيرة للجدل في الأوساط الفنية؛ نتيجةَ اختلاف مفهومها لدى كلٍّ من المبدع والرقيب، وهذا أمرٌ طبيعيٌّ؛ نظرًا لاختلاف فهم ورؤية كل منهما، فالرقيب يستند إلى منطلقات سياسية واجتماعية، والمبدع يستند إلى الإبداع ورؤيته الفنية، وهو عادةً يسعى إلى حريةٍ بلا حدودِ، والسائد أن هناك اعتباراتٍ سياسيةً يستند إليها الرقيب، فهو يتحاشى أي شيء يهدد السلطة وأصبح من المعتاد أن ترفض الرقابة أفلامًا وأعمالاً فنيةً لأسباب سياسية بحتة تعالج بعض فترات التاريخ المعاصر؛ حيث يعمد بعض كتَّاب السيناريو إلى معالجة موضوعات بشكل أكثر موضوعيةً، وينحاز فيما يكتبه إلى كشف الحقائق بعيدًا عن التجميل الذي دأَبَ عليه بعضُ المؤلفين في فترات سابقة، ويؤكد ذلك ندرة عرض الأفلام التي تكشف مساوئ نظام الحكم في الستينيات، مثل أفلام "الكرنك" و"إحنا بتوع الأتوبيس" و"العسكري الأسود" وغيرها الفنان عبد العزيز مخيون يؤكد أن الرقابة تصادر وتمنع أي رأي يهدِّد النظام الحاكم أو يسبِّب إزعاجًا له، أما أية أعمال فنية فيها إسفافٌ أو انحطاطٌ وتجرُّؤٌ على المقدسات فإنها تمرَّ بين أصابع الرقابة ويضيف: أنا أتحفَّظ على أي شكل من أشكال الرقابة أو المصادرة للفكر أو قمع حرية التعبير، ولكنَّ هناك ما يسمَّى بالرقابة العامة أو الرقابة الاجتماعية، وهي رقابةُ المجتمع ككل، فإذا كان المجتمع يتبنَّى أفكارًا أو مشروعًا قوميًّا عربيًّا إسلاميًّا للنهضة فسوف تنبع رقابة الضمير نفسه عندما يكون هناك اتفاقٌ في المجتمع، وعندما يكون هناك عهدٌ اجتماعيٌّ أو ميثاقٌ اتفقت عليه الأمة فلن تجد في هذا نوعًا من الأعمال التي تسبب لنا القلق من حين لآخر ثوابت المجتمع الناقد طارق الشناوي يقول: إن ثوابت المجتمع لها تعريفٌ مطَّاط يتغيَّر في الزمان والمكان ومِن أسرةٍ إلى أسرة، ومثال ذلك أن هناك بعض الأسر ينادي فيها الابن والده باسمه، وفي الجانب الآخر هناك أُسَر أخرى تحتفظ بالتقاليد والمبادئ ويطالب الشناوي بإخفاء الرقابة التقليدية، موضحًا أنه لا بد من مراعاة التصنيف العمري، فهناك أفلامٌ تحظر دخول الأطفال وأخرى تحظر دخول أصحاب القلوب الضعيفة. وينتقد ما يجري في الرقابة من اعتبارات معينة لأصحاب الأفلام، مثل عادل إمام؛ حيث إن لأفلامه معاملةً خاصةً لا تَجري على غيره، ولا بد أن تنظر الرقابة إلى جميع الأفلام نظرةً حياديةً ويرى الشناوي أن النظام هو الذي يعيِّن الرقابة، وهو مهيمنٌ عليها بطريقة كاملة ومسيطرٌ بشكل واضح، ولا يستطيع أحدٌ أن يقتربَ من السلطة العُليا أو أن يتناول قضية التوريث، بل من الممكن أن توافق على فيلم به مشاهد عُري ولا توافق على عرض فيلم سياسي ويشير في هذا الصدد إلى فيلم "جواز بقرار جمهوري" قائلاً: من وجهة نظري هو ليس فيلمًا جريئًا ولكنه فيلم خدَمَ السلطة، ويحضر فيه الحاكم الفرح ويلبِّي مطالبهم ومطالب شعبه وبالنسبة لوحيد حامد عندما تناول قضية الإخوان كانت هناك هجمةٌ شرسةٌ على الجماعة بعد ظهور جماعات العنف، وكان لا بد من التصدي لهذه الظاهرة، لكنَّ وحيد حامد كان قاسيًا ولم يكن موفقًا عندما تناول هذه القضية في كتاباته وقدَّمها من الجانب السلبي، ولكن من وجهة نظري- والكلام للشناوي- أرى أنه مع الزمن سيكون محايدًا لأنه شخصيةٌ سويةٌ تعرف الله، بل إنه يصلي ويصوم وهو لا يشرب الخمر وليس ملحدا وحول الهجوم على الرقابة بعد عرض فيلم "ليلة سقوط بغداد" قال: إن الرقابة تعنَّدت هذا الفيلم وأرسلته إلى وزارة الدفاع؛ باعتباره فيلمًا عسكريًّا، وهو ليس كذلك، بل مثل فيلم "عبود على الحدود"، ومن المهم أن نعرف أن أفلامَ إسماعيل ياسين منها "إسماعيل ياسين في الجيش" و"الأسطول" و"البوليس الحربي" كانت أفلامًا ساخرةً وليس لها جانبٌ سياسيٌّ، والخطأ هنا ذهاب الفيلم لوزارة الدفاع ويؤكد أن فيلم "ليلة سقوط بغداد" كان غليظًا في بعض مشاهده، فتناولها المؤلف والمخرج بشكل يتسم بإباحية واضحة ونفَّذها بشكل صريح وبدون أن يرجِعَ إلى قيم المجتمع مثل مشاهد السرير وأيضًا مشاهد الحمام التي كانت واضحةً وصريحةً، وهذا تناول كل ما يتعارض مع القيم، ولا بد أن تخضع الأعمال الفنية ذات الطابع الأخلاقي للرقابة أجندة الفن والسلطة أما الفنان خالد الصاوي فيرَى أن كلَّ النظم السياسية في التاريخ يوجد عندها درجةٌ معينةٌ تحتك بالفنون والأفكار، وبشكل آخر فإن السلطة لها أجندةٌ والفن ليس له أجندة، فهو يتحرك شمالاً ويمينًا طبقًا لقوانين تضعها الرقابة، فهي تعمل عمليةَ مواءمةٍ للإنتاج الثقافي للمجتمع مع الأجندة السياسية، وأضاف: لا بد أن تقوم الرقابة بموازنة بين أمن السلطة وبين أمن الفرد والمجتمع، والواضح أن الأولويات للسلطة السياسية فلا يستطيع أحدٌ أن يحتك بها فنضع الفكرة والفن تحت رقابة ويضرب الصاوي مثلاً على ذلك، فيقول: في أوائل القرن العشرين كانت الأفكار تنحصر والفنون تتقيَّد والحقيقة تُحجب والوقائع يتم التعتيم عليها، فهناك أفلامٌ حُجبت تمامًا من العرض، فالرقابة تابعةٌ للسلطة والنظام السياسي ويعلق على الصلة بين السياسة والفن فيقول: لا بد من وجود حكومة منتخَبة وبعدها نبادر بحل كل الأجهزة التي تراقب الأفكار وتقيِّدها، ولا بد من توفير مؤسسات جماهيرية تعتمد على النقاش، والحصار الجماعي للأعمال التي يمكن تسميتها مرفوضة (ضد القيم الاجتماعية)، فالأفكار لا تموت بالمنهج، وقد يكون لها رواجٌ أكثر بالمنع، فالرقابة مرتبطةٌ دائمًا بالحكومة الحالية التي لها أجندةٌ معينةٌ، فالحذف والابتعاد مرتبط بها دائمًا وحول التشريعات الخاصة بالرقابة على الفنون والأفكار يرى الصاوي ضرورةَ وجود بعض الأولويات لها، أهمها: التشديد على الأفكار المضادة للسلطة والتي تمسها بسوء، وثانيها: بعض الأولويات التي تخص على القيم والتقاليد الاجتماعية، ولكنَّ هناك مرونةً كبيرةً مستخدمةً من جانب الرقابة وتتناولها بصورة سيئة ويلفت النظر إلى قضية أخرى بخصوص الرقابة؛ حيث إنه من الملاحظ أنَّ تباين الأفكار على الرقابة واحد، من رقيب إلى رقيب ومن رئيس إلى آخر، فلا بد من تقييد السقف الذي تتحكَّم فيه الرقابة كمحاور الدين والجنس والنظام الاجتماعي والسياسي، فعصر الرئيس جمال عبد الناصر يختلف عن عصر السادات وعن مبارك، فالحرية تختلف من عصر إلى عصر ثلاثة جوانب ويَعتبر المخرج أحمد محفوظ أن الرقابة الآن تحافظ على ثلاثة جوانب: الأول سياسي، والثاني ديني، والثالث الجنس، ويتابع: فالسياسي هو عدم الاقتراب من السلطة نهائيًّا ويكون بعيدًا عنها، أما الجانب الديني فلا يقترب من الفتنة الطائفية، والآن أصبحت الرقابة لا تقوم بدورها الأساسي فهي بعيدةٌ كل البعد عن وظائفها في زمن الإنترنت والستالايت ونقل الأفلام من خلال الـ(سي دي) وهذا شكل غير قانوني وحول رؤيته لمفهوم الرقابة يقول محفوظ: أنا لست مع وجود رقابة تعمل لصالح السلطة على حساب الشعب أو تكيل بمكيالين في تعاملها مع الأعمال الفنية، ويضيف: إن الرقابة لا تستطيع أن تقوم بدورها في مواجهة وسائل التقنية الحديثة، مثل الإنترنت والستالايت، فمن الواضح أن الأفلام القديمة التي كانت لا تُعرض من قبل أصبحت تُعرض دون حذف وأيضًا القمر الأوروبي أصبح يقدم كل ما هو ممنوع، بل إن الغزو الفكري أصبح مسيطرًا علينا في كل شيء؛ لذا فمن وجهة نظري لا بد من وجود رقابة نموذجية تنقسم إلى جانبين: أولهما رقابة المبدع على نفسه، وثانيهما الرقابة الذاتية من الجمهور فالمبدع يقول رأيَه بشكل لا يصطدم أو يسفِّه مشاعر الآخرين ومعتقداتهم وأخلاقياتهم في المجتمع، كما أن تنمية الوعي عند الجمهور تجعله يستطيع أن يناقش أو يجادل العمل الفني بشكل يَقبل أو يَرفض ما جاء من آراء أو فئة في هذا العمل الفني، وبالتالي الحفاظ على أخلاقيات وسلوكيات المجتمع وأعرافه هي مسئوليةٌ مشتركةٌ بين الفنان وجمهوره ويشير إلى فترات سابقة مثل أجواء ثورة 1952 وما صاحبها من سلطة بوليسية فرضت رقابة على الأعمال الفنية وعلى حركة الناس السياسية والاجتماعية، ولكنَّ هذه الظروف تغيَّرت تمامًا، ولا بد للدولة أن تبحث عن صياغة مختلفة لفكرة الرقابة وحول مقترحاته لتطوير منظومة الرقابة في مصر طالب بأن يتم حل هيئة الرقابة بشكلها، وأن تكون هناك لجنةٌ رقابيةٌ أو استشاريةٌ لمناقشة الأعمال الفنية بشكل مدني لا يتبع حكومة أو سلطة.